13 - 05 - 2025

وجهة نظرى| الكلمة حياة الروح

وجهة نظرى| الكلمة حياة الروح

وسط الأجواء المحبطة تظل الكتابة هى حياة الروح لمن يعشقها..وحدها القادرة على شحذ همتك من جديد، وبث الطاقة في نفسك، ومدك بالحماس.. ودفعك للتخلى عن روح الإنهزام.. تنفض عنك حالة الاستسلام والوهن والكسل.. تسرى فيك همة ونشاط.. وكأنها إكسير لعقلك المشتت وروحك المنسحقة ونفسك التائهة.. تحيل سواد الدنيا لنرى بعدها تفتح طاقة الأمل.. وتحيل هرم وشيخوخة روحك لأخرى عفية شابة.. تتعجب من تبدل حالك ومن تغير أحوالك، ويدهشك ذلك الوهج الذى ينير كل حواسك.. تبتهج وتستسلم لخدر المتعة متمنيا ألا تزول.. تمارس غوايتها حتى الارتواء.. تقبض على الكلمات بوله، وتنتقل بين العبارات بشغف، فتتوالى الافكار وتتزاحم الرؤى لتأخذك لعالمك الأثير، تشحذ كل قواك وتشعل كل حواسك.. تدور فى فلك جمالها.. يسلبك عالمها.. تتوحد فيه وتنفصل عن عالمك.. يبتعد تدريجيا حد التلاشى ويسطع عالم جديد، وحدك من يمتلك مفاتيحه، ومن يتحكم فى قواعده.. من يفرض لغته.. وفى لحظة ينقلب الحال، تصبح أسيرا بعدما كنت ملكا متوجا فيه.. تشعر وكأن هناك من يملى عليك أفكاره، كلماته، رؤاه.. تصبح أقرب إلى من يتلقى وحيا وإن كنت لاتعرف مصدره.

أهو الإلهام أم الخيال، أم افكاريطلقها عقلك الباطن من مخزون أحزان وأوجاع ومشاهد وصور وتجارب وحكايات وحوارات ومضايقات وخلافات وضحكات وأحزان وإنكسارات وهزائم ومباهج وابتلاءات ومحن ومنح وعطايا وانتصارات.

أم هى مزيج من كل تلك المشاعر المختلطة التى تمتزج وتنصهر وتخرج كلمات وعبارات وأفكارا وصورا تجسد خلاصة تجاربنا مع الحياة بكل مافيها من صخب ووجع وأمل.

مخاض عسير تمتزج فيه المتعة بالألم لتخرج الأفكار حروفا وكلمات وجمل وعبارات، تشبهنا تحمل كل مافينا من صفات تشى بكل مانكتمه من وجع ومانداريه من ألم وما نخفيه من حزن وجراح، ومايؤرقنا من أحلام عصية ويضنينا من هموم وحرمان.

تستعذب إغوائها الذى تمارسه بتمكن عذب.. تسبح فى ملكوتها بكل جوارحك، تدور مع الأفكار، تعيد ترتيبها ونسجها، تضيف وتحذف، تبعد وتقرب حتى تخرج أجمل ما فيها قدر استطاعتك.. تتنفس براحة لايعرفها سوى عاشق الكلمة، من يرى فيها متعة بقدر ما فيها من ثقل المسئولية وعظم الأمانة وخطورة الواجب.

الكتابة متعة رغم ماتسببه لمن يمارسها من تعب.. متعة يزداد تأثيرها بعدما ترى الكمات النور وتجد صدى لما تطرحه من أفكار ورؤى.عندما تشحذ الهمم وتعبر عن المواجع وتكشف عن مواطن الخلل.. عندما تسلط الضوء على الفساد وتكشف المفاسد وتعرى الفسدة.. عندما تكون صدى لهموم الوطن وآلام مواطنيه.. عندما تصبح صوتا لمن لا صوت لهم من الضعفاء وقليلى الحيلة والمقهورين.. عندما تقف فى وجه كل حاكم ظالم وتعلن كلمة الحق ولاتخشى بطشا أو سجنا أو عقابا.

الكتابة متعة عندما تنير طريقا للعاجزين وتفتح أبوابا للضعفاء وتمد يد العون للمظلومين.. عندما تنشر الحق والخير والجمال، وتحيل الحياة للأفضل.

الكتابة متعة فيها عودة الروح لنفوسنا اليائسة المستسلمة الوهنة .ويتوهم من يحلم أن يسلبنا تلك المتعة ..فمهما فرضت من قيود ومهما ضيقت مساحات التعبير وتدنى سقف الحريات .ومهما توالت من لوائح جزاءات تتربص بالاقلام وتعد علينا الأنفاس ..مهما أغلقت مواقع وغيبت صفحات ومقالات معارضة ..مهما قصفت من اقلام وورى أصحابها خلف جدران السجون .زستبقى الكلمة حرة وتبقى متعتها ابدية .لن ينل منها بطش سجان ولاتربص رقيب ولا توعد مخبر ولاغفير .

حياة أرواحنا مرهونة بسنون أقلامنا لا تموت بنصال سيوف مشهرة ولايزهقها سوى الزيف والجبن والخنوع والمتاجرة.
---------------------
بقلم: هالة فؤاد

مقالات اخرى للكاتب

قانون الإيجار القديم .. لغم لا يحمد عقباه